جديد الموقع : موجز عن صاحب الموقع  «»   عدنا…و العود أحمد  «»   مهمة في الاطلس المتوسط  «»   معادن الأرواح  «»   البطن الرخو..  «»   خطيئة النون  «»   كتمان  «»   أشواق شامية  «»   الكتاب  «»   شكوى  «»   المزامير  «»   وشاح  «»   حكايا العشيات3 (الجَّبَّابْ)  «»   حكايا العشيات2  «»   حكايا العشيات1  «»   ما لي بمدح المحدَثين يدان  «»   نكزة و تدوينة  «»   ناجي و نخبة موريتانيا و الضاد في صالون الولى  «»   حق الإقامة  «»   أنتِ والزنابق  «»   De La Chaudière  «»   الخطيئة  «»   رشة عطر  «»   إنهم قيادة العالم ولكنهم لا يستحقونها  «»   بيان من جمعية الضاد  «»   نحن و الزمن  «»   بيان عن اليوم العالمي للعربية  «»   بيان حول اليوم العالمي للعربية  «»   الصمت خيانة  «»   قنينة نفد الراح من خصرها  «»  

يوليو 26
0

بنت الخير.. صانعة الفرح

الخيمة-الموريتانية

كانت صناعة الفرح تلقائية ، مجانية ، إِنسية ، أُنسية ، تحكمها قاعدة جمالية رائعة هي الندرة ، فالأعياد اثنان على مدار السنة :فطر و أضحى، وعيد “التوسعة” فيه يتذكرون آل البيت و عطشهم ومن خلالهم براءة الأطفال، دون غلو في التفسير بل في غيابه لئلا تتحول النفوس عن البهجة ، وللكهول عيد يغنون فيه ، دون حرج  ، لأنه مديح الحبيب المصطفى في مولده واسمه عند البعض؛ وأخيراً كانت “التاغنجه” عيد فرح النساء والأطفال خاصة عندما يتأخر المطر و تطول الوقفة وقد يقل المأكل بل المشرب ، وتكون النفوس بحاجة إلى طرب وفرح يُسَرِّي عنها في هذا المناخ الكئيب .. وأتذكر أنني شاهدت مراسيم التاغنجة مرة واحدة ،لا أعرف ما قبلها ولا ما بعدها ، ولكن ذلك الحدث ظل منقوشا في ذاكرتي بتفاصيله الملونة الرائعة إلى اليوم ، ولقد استبدت بي نشوتها إلى هذه اللحظة لتعيدني ، لحظات التذكر ، إلى مساحة من الحُسن والألق الفطري والبهجة العفوية ، لا وجود لها في عالم الترح الشبحاني المقيت…

كانت الأسطورة “منت الخير” التي  حفظتُ ملامحها الإغريقية من ذلك اليوم الجميل  إلى أن كبرتُ وصرتُ أستقبلها بالمناسبات ، كما يفعل الرجال ،و قد حدثتني ،لأغراض التوثيق ، بعد ذلك وأنا شاب، عن “التاغنجة “بحسرة تدمي الجلمود ،لأنها تفسر غياب الأمطار و تبدل الأحوال بالتخلي عن موروث الأجداد…وقد عاشت  هذه الفنانة إلى بداية التسعينيات وظلت إلى ما قبل رحيلها تشرف في كل المنطقة على الأعراس وكل الافراح ، وترسم حولها هالة من الألوان اللاهبة الزاهية التي  تنتمي إلى أزمنة الفــــــــــــرح

 تلبس “بنت الخير” ملابسها المزركشة الخارقة للعادة ، وترفع عقيرتها بصوتها الجهور الشجي:

التاغنجه يا الرهواجه :: تْجيبْ اسحاب البجباجه

وينطلق وراءها موكب الاطفال والصبايا يجرون حوضاً خشبيا (تازوة) وكلما مر الموكب أمام خيمة كالت في الحوض تمرا او سكرا أو حبوبا وكلما امتلأ الحوض أفرغ في مزود آخر ،وغالبا، والعهدة على أم الخير ، لا ينتهي الموكب حتى يمتلئ الحوض من ماء المزن…

ويوزع السكر على الأطفال بينما تتولى أم الخير ،ليلاً، حملة توزيع الحبوب على المعوزين…

ومع التاغنجة والمزن المنهمر ماء …تكون الأفراح قد باشرت فعلها في الأنفس العطشى إلى الأمل ولو للحظة من العمر، والعمر نفسه مجرد لحظة عابرة بين ضفتين لا علم ولا دراية بالسابق منهما ولا اللاحق…فاقتنص لحظة الصفاء، تَرِبَتْ يداك..

لكن …لماذا عدمنا الفرحة والبشاشة و السرور و الحبور و الأمل و الكلمات الجميلة التي تسري من روح مفعمة بالحب إلى مثيلتها الهافية إلى ملتقى ” فيئ سدرة الوداد”؟؟

تأملْ صاح !!الأطفال في الحارة ، في البيت في الطريق ..إنهم مطرقون  يحملون هموم الدنيا، يفكرون بقنص مال أو أداة ..يطلبون مالايملكون ويتطلعون  إلى الكسب بأي ثمن ..يتوجسون خيفة من الآخر ..يتربصون ببعضهم البعض يتعلمون الحذر والجفاء قبل المحبة والحياء…

إذا اختفت الطفولة وانتهت معالمها بانتهاء و رحيل مواسم البهجة والسرور  ،حلَّ زمن الموت والهمجية والبغي و دالت دولة الإنسان…

رحمك الله “بنت الخيـــــــــــــــــــــر”

الرجاء الاتصال بنا لحجز هذه المساحة للإعلانات

شاهد مواضيع أخرى لـ

التعليقات مغلقة.