senegalHome

الساعة الرابعة والعشرون

 

________________

 

 مقامة:عام الهروب الكبير(التغريبة)

 

كان “الدويدارلوحان بن أجملان” ينشد عند المعطن قصيدته القافية في ابنة عمه العيناء، وقد تعود الناس بوحه المترنح ،منذ أن حَرَمَهُ عمه قراد الزواج منها لأنه شبب بها، ولكن الناس غيداً وشبابا وشيبا رُعاة و سقَّائين، أجهشوا بالبكاء عندما زاد اليوم أبياتا ،اعتبروها أوَّلَ نذيرِ أمْرٍ إِمْرٍ نازِلٍ ،لا محالةَ، حسب طِيَّرَتِهِمْ المتوارثة، بقبيلتهم العظيمة “نانمه” من يوم أن نزلت ربوع الصعيد إلى أن استقرت في تحالف كبير مع السلامات وأولاد نيالة  والقوران، وحفروا آبارهم في (معطن الحباري)…قال الدويدار:

 

هْطالي دْموع رْفاقه ::يوم تصهل الخيل العتاقه::يا ويبك يا نانمه الهَدَّاقَه ::يوم غدرالزمان يوم واكد..::خيل نانمه مْغَرْبَه ما هي بْشَرَّاقَه::وَلْوِلى يا اميمْتي الشَّفَّاقه:: ْتغَرَّبْ البقرة ما تْغَرَّبْ الناقة:: الناقة يا “العيناء” لبيت الله الواحد::

 

وقبر نْبِي وظَيْ الشمس مشْتاقَه:: ونانمة عربان القصايد::مايغَرْبُوا  ِديمَه عْويناتهم شَرَّاَقه:::وَيْلْها عربان فْراسينْ بْلا قَايدْ::: ما يَعْلاوْ مابركتْ على ذروتها الناقة::

 

صَلُّوا على الزين: “أولاد سليمان” غَرْبُوا::شِنْحَ الِّل حَصْل الجَّحْ يا مْعًرْبُو::

 

شوفوا عرب الشُّوَّا جَنْبُوا::أبو حْبابْ سدرة زينة ظلها لا تْقَرْبُو

 

بَقلْها يقتل العربان لا تْجَرْبُو ::: وبَقْهَا مِنُّو الجديان يْجَرْبُو

 

و في المساء كان الحديث الوحيد في مجالس القبيلة وكل المضارب المجاورة والقبائل الحليفة عن نذر الغربة التي ظهرت في قصيدة بن أجملان..

 

مضى الأسبوع الأخير من ذي الحجة  وبدأ الحديث عن النذر يخف و لا سيما بعد اختفاء الدويدار، وفي ليلة شتاء قارس و ظلام دامس سمعت المضارب طبل “البراح” الذي لا يضرب إلا لشر نازل وبأس عاجل ، وأمر خطير وشر مستطير، فخرج الناس لا ليروا فالدجنة جُنةٌ ولكن ليسمعوا ولِيَعُوا ، من فوق قنة الأكمة نادى المنادى على صهوة الجواد ….

 

يا أبناء نانمه والقوران و حلفائهم الأعيان هجم الطليان وفرسان مالطة الكهان، على قوافل الحلف و تجار لبنان.. القادمين  من فزان … الفزعة الفزعة يا عربان…ودب  الناس دبيبا وامتلأت الصدور وجيبا، واختلطت المشاعر زغاريد و نحيبا، و عم الهرج وساد المرج..

 

مع صدع الفجر الأول كان العويل يرافقه صعودا ..لقد خَرَّ قرادٌ زعيم نانمة مغشيا عليه وهو يهم بامتطاء جواده النسناس، وفارق الحياة.. مع الأذان الأول من ليلة الجمعة الأولى من الأسبوع الأول من محرم الحرام،سنة “الهروب الأول” عند أعدائنا..والتغريبة الثانية بعد بني هلال، عند قبائل “السهل” من” عرب شمال الناقة”..

 

وبينما الناس في الموكب الجنائزي إلى “كدية الشعطاط” حيث مدافن الحلف تحيط بمقام “أبي الفضائل سُحنون بن تلالاكين الزناتي” تساقطت الرؤوس كحصاد السنابل الطرية بالمناجل الذربة، وكلما أتضح الخيط الأبيض من الأسود من الفجر كلما تعالى الأنين و سالت الشعاب والأودية من الدماء الزكية، وظهرت القلانس النحاسية الصفراء ،و خوَّذُ

 

بني الأصفر وصلبان فرسان مالطة الحمراء…

 

كان السهل ومرجه الأخضر الشتوي ساحة جثث تغطي سماءها الغربان السود و كلاب الخلاء و نسور الصحراء و عمائم أهل السهل البيضاء ملطخة بالدماء بعضها يلف رؤوس أصحابه وبعضها على سروجه و أقتابه ..سهام وقسي و حراب.. وأعضاء تعفرها التراب لا أثر لجنازة ولا نداب…

 

                            **      **    **

 

غفوة المتعب الراضي عن أدائه، تتحول بفعل الإطمئنان إلى نومة عروس تتورد وجنتاها بالأحلام، وكذلك كانت نومة “الكومندته ساوو بيدرو” بعد سنة وعشرين يوماً يأكل الحصرم مع “الشنبان “و “قلية البشنة” و”عيش الشعير” و”حدج الناس” و النادر من لحم “الضب”..وكان يحمل الكنز الثمين و يستعد للإبحار مع التباشير الأولى لضوء الصباح ممنيا نفسه بعرش الكثلكة الموحد في شبه جزيرة إيبيريا المسيحية جدًّا…

 

وقد احتاط لكل شيء حتى نام وذاراعاه القذرتين فوق التابوت الخشبي الذي يحضن المصحف المجيد..

 

فى التطبيق العملي ل(لمسم) تتحول (طحانه في الليل) بسِرّ “الإسم” الأعظم إلى هباء متماسك بسمكِ “اللاشيء”وكذا ماتتناوله من الدباكة المجنزرة إلى زجاجة العطر، وهذا لأنها مع مقاومي فرقة الفتح الوحيدون الذين أدخلوا دورة ( خلوة الوفق الأعظم) سبعا وسبعين يوما بالتقويم الوفقي المعبر عنه بسبع وسبعين ساعة لليوم ، وسبع وسبعين سُبُعًا من عُشر عَشير مِعشار الساعة الكونية..بتخديم من البدلاء السبعة المقيمن في دورة “عطر الخضر عليه السلام ” بعد امتحان عسير في الإلتزام بالأوامر واجتناب النواهي و تعود الإنسان على الحق و اللسان على الصدق و الجنان على الرفق، والبيان على العشق…..

 

أما “ركبة عيسى” فقد أدرك من الرائحة الشيطانية المنبعثة من قمرة السفينة أن اللفة الحمراء بيد القبطان هي لفائف من “التنباك”  موردة من “سلطان مدبوقو” بكوش السفلى،لصالح صانع الأسلحة الصنهاجي المقيم بين “العرية “و “رباط  موسى بن نصير” إلى طباخ وزير ملكة النور شمال مملكة قشتالة..

 

كان المشير يتملَّى مسرورا تَشَيُّؤَ الغادة البتول “طحانة في الليل”وركوبها زورق التوحيد وعلى رأسها المصحف الشريف بزنة خمسين مُدًّا من الذهب و الزمرد والياقوت و الجاد و رق الغزال و البردي و سيور الطنافس العتيقة من القز القرمزي الذي لو شده عشرون غولا من عشرين غولا ما تهتم منه خيط…

 

على مركبة “الضحى رقم1” الفضائية كان الرواد يتبارون في وصف رحلة (طحانة في الليل) “لاستعادة المصحف الشريف”، ويشترط الحَكَمُ :”الإيجاز المبدع المتناسب مع الإنجاز”..

 

استيقظ “الكوماندنته” مذعورا لا يصدق شيئا مما يرى كيف يختفى هذا الوزن في هذه الرمشة ؟؟…وبهستيريا يصرخ:

 

إطلاق نار.. نار ..نار على أعالي البحار…

 

دَوَّتْ طلقات المدفع البرتغالي العجوز من المرقاب الشمالي في اتجاه البحر فانهد جزء من مرتكز الحائط الطيني وسقطت ماسورة الكانون في البحر محدثةً هلعا و ذعرا بين الجنود الكسالى و نساء ملحق السجناء و العبيد…

 

من لم يرَ ثنايا “طحانة في الليل ” تضحك بوقار من غباء القادة وعمى بصيرة القواد، من لماها يتصاعد بخار شتاء البحر ببخور الند والأقحوان وغصن الأندلس الرطيب…لم يرَ الفطرة كيف تخلق الكمال!!!

شاهد مواضيع أخرى لـ