- ناجي محمد الإمام
- أعمال روائية
- الزيارات :
حكايا العشيات 3 (الجَّــبَّابْ)
________
محمودي مثال على “الجبَاب” المتمرس ربع القامة قوي البنية بشوش طروب و مولع حد الهوس بالغناء الذي يجيده دون مهارة التخصص ، مما جعله يبتعد باكرا عن اللوح و المحظرة …
كان شيخ المحظرة يدعى الحسين وهو مشهور بسوطه الذي يعذب به التلاميذ بشكل وحشي وبأساليب مبتكرة كحشو شدقيْ الطالب الذي لايتقن مخارج الحروف، بالحصباء و ضربه عليهما…
وقد جرب هذه الوصفات الهمجية مع محمودي الملقب”الغجل” ..وخرج منها سالما ذائع الصيت بعد ” قافه ” الذي جعل الفقهاء يعتبرون ما ورد فيه “ردة” و انقسموا ـ كالعادة ـ في ” الحُكم “.
وخلاصة مجريات الأمر أن استظهارالسور يتم بعد صلاة العشاء و قد لا ينتهي قبل الهزيع الاخير من الليل ، لكن محمودي لا يمكنه أن يفوت ” جماعة الشنة” التي هي السهرة الغنائية المسائية التي تبدأ وجوبا بعد صلاة العشاء وراء”خيام الفريق” بعيدا عن وقار الكبار, و تنعشها الصبايا بــ”أشوارالظل” و “الطين”..فعندما تتناهى إلى مسامعه زغاريد السمر يعطي ساقه للريح..كيفما تكون العواقب .. و المهم عند “الغجل” ان لا يخسر طقوس الشنة ..
ذات ليلة كان يساعد الشيخ الحسين في حلب بقراته و انطلقت زغاريد “خريدة” الشجيةتمزق السكون ،وفي لحظة اختفى ” الغجل” تاركا المرابط يمسك محلابه بيد و العجل الرضيع يغالب اليد الواهنة اليسرى…
و كانت “بنت الخير” الفنانة الشعبية قد غنت بصوتها الفريد من شعر ابن الفريق:
إذاما تمنى الناسُ أمراً إذاعنَّا ** فإنَّ مُنى نفسي خيام بها “مَنَّا”
لها منطقعذب و سحر بلحظها** حباها به الله الذي أنزل المنَّــــأ
قبل أن تردد شور “دنيني” المعروف بعراقته حتى جذوره “اليمنية” فقال لها و الصبايا و الفتيان يستمعون: قولي….
لوحي و كْتابي و “الحسين”** ما فيهم واحد يلهيني
وقت أن نجبركم مجتمعين ** نتأنَّس بيكم من حيني
ولم تظهر شمس الغد إلا و كانت “بنت الخير” قد أوصلتْ القاف لكل الفرقان في آفطوط و الذراع و أقان .. و كان “حل الكتب” و ما يليه من فتاوى ليس لها سلطان على سمر “أهل الشنة” .. و كانت نتيجتها انعتاق “الغجل” من سلطةالحسين وبداية مشواره مع العصر الأصغر دائما لأنه يوفر له شياخة الدردق الصغيرليحتكر الزعامة و الفوائد الناجمة عنها إلى حين…