- ناجي محمد الإمام
- تأملات وأفكار
- الزيارات :
ولكن (الشعر الحديث) العالم النحرير وافر المراجع و التقارير جميل الهندام مهذب الألفاظ كثير الإحالات والدلالات و التعتيم على المقاصد ما يزال يتربع على كرسي العقل العالم المورق الأغصان وارف الظلال مونق المقال محكم المنوال وبراعة الإستهلال…فمتي يحسم الجدال؟
الشاعر كسائر بني آدم و بنات حواء له موقفان شخصي و عام وقليل من فصيله من يوحد بينهما ومن الناس،لكن أزمته موجعة فأموره محسوبة و مشاعره مكتوبة ومحفوظة مرغوبة أو مرفوضة لكنها في الحالتين مهيبة و مرهوبة و مطلوبة، و كل معجب يريدها لمذهبه أو موقفه أو حزبه أو قبيلته أو شلته حتي… وهذا الوضع خاص بأرض البيضان وجيرانهم الجنوبيين لترسخ دور العمل الموزع بالإمتهان أو الأدوار المرسومة سلفا،حيث على (الزاوي) أن يفتي و علي (القوال) أن يمدح أو يذم ،وعلى (الصانع) أن يجهز، وعلى )الجزار) أن ينحر و(الحمري )أن يخدم، وعلى (اللحمي) أن يفطم ويجز و(الإمرقي) أن يصطاد و(النمدي) أن يقنص و(المكراشي) أن يطهر و يمتح و يتسلق، علي (العبد )أن يطبخ ويسني…وفي الأخير علي السيد أن يقرر…ومع رحيل هذا الجور إلى غير رجعة ظل مخلفوا الأذهان…
ومن هنا جاء الإنطباع لدى الجميع أن الشاعر و موقفه مكسبان ،استجرارا لدور (القوال) الموروث الموجود والقائم والمحدد والذى يعتبر الشاعر نقيضا له لأنه يمارس دورا عالماً، ولكن الإستجرار طويل االنفس…
من موجبه أن أحد الكتاب المرموقين أبدى ملاحظة استعذاب للنص الموغل في المباشرة الذي نشرت اليوم حول النذير و البشير وهما من المغيب الحاضر بالإستجرارالدائم في ذاكرتنا الجمعية..وقد ذيل الإستعذاب اليتيم منذ أن عرفت اسمه، بقوله إنه يتمني أن تكون هذه قطيعة تدريجية مع شعر يونيو و يوليو و دجمبر…ولأن الإحالة إلى الشهور و عدتها عند الله معروفة تقتضي الإلتزام بها لا التخلي عنها ،فإن الطلاقَ من الزمن يعني الخروج من التأثير فيه مع الإستمرار في التأثر بمفاعيله الحتمية،ولكن المؤلف، مواربة،أراد علاقتي بيوليو كرمز لحدث أومن بتاريخيته و تاريخانيته وسواءً تعلق الأمربالثالث و العشرين الناصري منه الذي بنيت تاريخي المتواضع على مبادئه، وجنيت به التعذيب و العداء و التهجير و الصداقة و التبجيل و التوقير ، فمن أكون عندما أتخلي عنه ، أو بالثورة البعثية فيه بأيامها المجيدة وهي جزء من ذاكرتي و عقيدة مدادي ،أو بالرابع عشر منه عيد الثورة الفرنسية الفاصلة في التاريخ الأنعتاقي للبشرية أُمِّ الحرية والمساواة والأخوة والمارسييز والنقيب دليسل و اليعاقبة و روبرسبيير و الرومانسية الثورية فكيف أتخلى عنه وأنا القائل فيه:
يوليو يا كاتب التاريخ للفقرا *** قُدْنا فإنا فقدنا السمع و البصرا
قُدنا إلى الفجر علمنا قراءته*** فقد نسينا التهجي مذ غفا الشعرا
يوليو ناصر آتٍ من بني أسدٍ*** يدعو إلى الثأر من أعدائها مضرا
يوليو خبزٌ و أقــــلام و مئذنة*** عهدٌ من الله أن لا يخذل الفقـــراء
-
أما دجنبر فيوم الثاني عشر منه رأيت وآلالافُ من بني وطني و رفاق نضالي نهايةَ التعذيب و السجون والأكفان و تقرح الأجفان لدى الأمهات والزوجات والأبناء والخلان، فكيف أتخلص منه دفعة واحدةأو تدريجيا؟ لستُ ممن يمارسون التنكر الجزئي أحري الكلي …لكنها كانت القصيدة الوحيدة في عهد امتد عشرين سنة ، كتب فيه زملاء أحترمهم عشرات النصوص وغناها الفنانون وصدحت بها حناجرهم في التلفزيون، فامتلأت{ بطون و شيدتْ قصور و حُصون، فليدلني من شاء علي مغناة أو أوبرأو طلب موعد أو مساعدة من الحاكم أو من كانوا يزرعون الحواري يالولاء له ، وهم أحرار ولهم وله الإحترام ، لكن الأمة تغفر، قد تغفر ولكنها لا تنسى ،ولقد بدأت نهاية العلاقة معه بسبب التطبيع مع شذاذ الآفاق …بقصيدة :الخيانة:هبطتَ من السفح جئتَ
لأنك خُنتَ القضية، أنتَ
وخنت الأمانة…
خنت الرهانأمام طلاب جامعة نواكشوط بدعوة من د. إزيد بيه محمد محمود رئيس قسم اللغة العربية آنذاك (1993)وانتهت بقصيدة (الدرة) : وقضية القصيدة التي أنشدتها أمام 20 مديرا عاما لوكالة أنباء عربية في مؤتمرهم بنواكشوط( والقصة أضخم من أن تروي عرضا)، ومنها:من لم ير الدرة في أسماله
خلف الحدود المقفله
يسكن قصرا معتما بالعمله
مطبعا منبطحا ثيابه مستعمله
لم يعرف الله و لن يغفر لهومن هنا يكون الموقف حالة ثبات .و الشاعر عندما يكون صاحب القضية صاحب الثوابت فإن رجولته تقدر بمدى وفائه لما به يؤمن ،لا بما يؤمن به سواه، وكم مرة اتخذنا قرار الموت (لا نامت أعين أمهات الجبناء) لكنها الأعمار بيد الله تعلى، وفي التعددية متسع نبدع فيه جمبعاً فنطرب لحالة السطوع المتفردة دون ضرورة للتماثل لأنه نقيض التنو… والتكاملُ فى التناقض يجمع الضدين في أبهي صور الوحدة والكمال و الروعة والجلال و الجمال…
وفي الختام، فالعبد الضعيف هو القائل:الشعب سيد عرضه في أرضه ** والليل مهما جُن يغسله النهاروهو القائل:كذَب الذي ظن الشعوب حليمة ** تنسى الأذية والخديعة والجراح
أنت قامة شعرية سامقة…. و مناضل عنيد
يابن الكرام شكرا للرأي الادبي الجميل