جديد الموقع : موجز عن صاحب الموقع  «»   عدنا…و العود أحمد  «»   مهمة في الاطلس المتوسط  «»   معادن الأرواح  «»   البطن الرخو..  «»   خطيئة النون  «»   كتمان  «»   أشواق شامية  «»   الكتاب  «»   شكوى  «»   المزامير  «»   وشاح  «»   حكايا العشيات3 (الجَّبَّابْ)  «»   حكايا العشيات2  «»   حكايا العشيات1  «»   ما لي بمدح المحدَثين يدان  «»   نكزة و تدوينة  «»   ناجي و نخبة موريتانيا و الضاد في صالون الولى  «»   حق الإقامة  «»   أنتِ والزنابق  «»   De La Chaudière  «»   الخطيئة  «»   رشة عطر  «»   إنهم قيادة العالم ولكنهم لا يستحقونها  «»   بيان من جمعية الضاد  «»   نحن و الزمن  «»   بيان عن اليوم العالمي للعربية  «»   بيان حول اليوم العالمي للعربية  «»   الصمت خيانة  «»   قنينة نفد الراح من خصرها  «»  

نوفمبر 30
0

 أنا و الإستقلال  والمغرب … كلام صريح 

                     الحلقة 2

كانت الأيام الاولى من شهر يناير1966 موعدنا مع فصل لم نر مثله قبلُ،لهسقف من الحديد الصقيل ،و جدرانه اسمنتية مطلية بالجير الأبيض، ولأننا لا نعرف المقاعد فلم نفطن إلى أننا نجلس مباشرة على أرضية من الإسمنت البارد في الشتاء إلى أن بدأ الزكام والحمى يستشريان في أجسام التلاميذ النحيلة …

وانخرطنا في الدرس مشدوهين منبهرين  عطاشاً إلى المعرفة الحديثة بكتبها الملونة و قسمها الداخلي وعمليات الإنفاق السخي على التلاميذ بالقدر الذي ينسينا استنكار العجائز أننا نقرأ “كلام اليهود والنصارى” وتمتماتهن بالتعوذ مما ابتلانا به الله..

كانت الاذاعات قد بدأت تنتشر على يد مجموعة من التجار المهاجرين يجلبونها في موسم العودة و يبيعونها أو يتركونها لذويهم عند القفول,مما أتاح انتشار الاخبار ولاسيما من لندن وصوت العرب و هنا نواكشوط  وصوت أميركا.. ومن أكثر المسموعات برنامج ول أقاط عند الكبار و ليلة الإثنين  التي يغني فيها سيداتي عند الجميع ولاسيما النساء والاطفال.

 وكانت الوالدة رضي الله عنها ،تعــقد مجلسها ضحوة أو مساء على الأتاي مع صاحباتها  ويبدأ الحديث في المدح والسيرة ، وقد يحدث خلاف فتستدعى الكتب لترجيح رأي، ودحض اخر، وكثيرا ما تنتهى المناكفات باستطراد ما قالت الاذاعة و كثيرا ما يختم النقاش باستنكار ما يرمى به الشريف ول مولاي اسماعيل، والشاهد الحاضر عند المرحومة، والذي لا يصل إليه الشك ، الحكايات المتعلقة بقصائد ول محمدي التي تحفظ جلها إن لم يكن كلها : فتستمع السيدات مشدوهات للسينية وكيف أن السلطان ول مولاي اسماعيل امتعض عندما قال ولد محمدي :الله منك حقوق الناس قلدها…ففطن الشاعر وأكمل: يقظان لا عافلاً عنها ولا ناسِ….فتهللت أسارير الشريف و أمر بكذا وكذا …

وتنبهر النسوة ولكن ذروة النشوة  تكتمل عندما تصل بصوتها الرحيم الرخيم إلى قوله:

          خليفة المصطفى وهوابن بضعته::: ثوب من المجد لم يعلق بإدناسِ

 و تقول: “هذا محل الشاهد ان الشرفا ما كيفهم شي”.. فتنتشي المجموعة ، علماً بأن هذا البيت (شاهد نحية) من الطرب البيضاني الأصيل …

وهكذا رغم البرامج الموجهة فإن حضور المغرب (الغرب)  وبلاد فاس ومكناس ومراكش كان طاغيا جميلا ملونا يداعب أخيلتنا منذ الوعي الأول ،فلم يكن للأسطورة حضور بعد السيرة النبوية وحكايات على كرم الله وجهه وعطش كربلاء و ما يزخر به مدح بنت عمتنا الشاعرة المداحة المرحومة محفوظة بنت الإمام من بطولاته عليه السلام ، كما هي حكايات مولاي اسماعيل ومجيئه إلى (رق تمراط) حيث كانت حلة (هيبة الرق) وكيف تم زواجه من (خناثه بنت بكار) وتولى العقد الولي الصالح (الطالب أعمر القفي) صاحب (أشايف اسطافر) وأنه من أهلنا الشيئ الذي لا يستقيم مع نعته بأنه تابعي … علاوة على كون القبيلة لم تكن قد وصلت أقان من منازلها في الزاك وبعده وادي درعة ….ولكن للاسطورة أحكامها…

وبالمقابل كان الموقف من حضور حكومة الإستقلال استمرارا للنظرة إلى المستعمر النصراني لأنها لم تقدم عنه بديلا ولم تخاطب العامة بما ترى و لا ما تريد، فكانت  واقعا لا يثير الخيال ولا يبعث على الأمل ولا يربط بماض ولا يبشر بحلم … صلتها بالناس ، ما خلا الأعوان ، مبتورة شائهة ..

وكم كانت أحاديث العجائز بالغة الدلالة عن (مورتان) و (ول داداه) و(صبيصب) و (صينكور) و (إسنغان) و (ديكول) ومعانى هذه المفردات المبهمة في تصور العامة ..هل هي أسماء أعلام أم غير ذلك…..

وتمر الأيام لنصل سنة 1968 عندما طلب المسيو أن نقف احتراما ودخل علينا الفصل رجل شديد بياض الوجه شديد سواد الشعر طويل القامة ممتلئ الجسم جهوري الصوت يلبس سترة بيضاء على منكبيها دبور يتسربل سروالا أسود (لسْ تومبي) ينتهي بكعبيه إلى نعال تشبه نعال عمي لكن تلك من( الوحش) وهذه من (الزوايه) يرافقه نقيضه قمحي نحيف خفيف يلبس سترة بنية سابغة على سروال كسراويل النصارى(بنطلون) وبعد ما استعرض التلاميذ مارًّا بالخط الوهمي الفاصل بين الصفين خرج “الكبير”وبقي الصغير ليقول بالفصحى: افتحوا دفاتركم ، أكتبوا التاريخ الظاهر على السبورة و تحته “إملاء” وارتجل:

(قد علمنا أن رئيس الجمهورية الأمين العام للحزب سيزور قريتنا فلبسنا أجمل الملابس و خرجنا إلى الساحة وانتظمنا في خطين متوازيين…)

إلى اخر  اختبار الإملاء الذي لم أعد أتذكره، ولكنني لن أنسى تردده جيئة و ذهابا ويداه وراء ظهره على طريقة (الترقي) بينما كان العرق يتصبب منا رغم الشتاء…حتى جاء الأستاذ وجمع الدفاتر بأمر منه، وخرج النحيف الوقور بصلابته وصوته الحاد وعينيه الغائرتين القويتين.

 فلما أنس منا الأستاذ خشية قال. هذا الذي زاركم اليوم حاكم المقاطعة و الذي أملى عليكم مفتش الولاية…ومن لديه سؤال يتفضل… ومن جملة إجاباته الخبر الوارد في امتحان الإملاء فقد أبلغ الحاكم أكابر القرية أن الأستاذ المختار بن داداه الامين العام لحزب الشعب الموريتاني رئيس الجمهورية سيزور الدائرة ثم المقاطعة والقرى و منها صنقه رافه….

 

الرجاء الاتصال بنا لحجز هذه المساحة للإعلانات

شاهد مواضيع أخرى لـ

التعليقات مغلقة.