حراك الشرائح

ـــــــــــــــــــــــــــــ

طيلة السنوات الفارطة كتبت في هذا الموضوع ،و رفعت ستار “الممنوع” عنه   و تناولته من وجهتين: الأولى  ذكر الحقائق والثانية إنصاف الفئة ،كل فئة من منظور متعدد الزوايا والاركان باعتباره موقفا صارما إلى جانب الحق والحق فقط ، وقد كانت ردود الفعل على تلك المقاربات من بعض الفئات المعنية في غاية الجودة والتجاوب ،بينما قابلها البعض بالصمت المطبق ، ولاسيما االمثقون الجددلأن أغلبهم ـ للأسف ــ يتحاشى المطبات والمغنم أولى…

ولكنني اليوم سأبسط موقفي من التحرك الفئوي ….

في كل مجتمعات الدنيا من بني الإنسان شرائح و طبقات و تراتبية ، وترتيب الناس على ما سوى الجدارة في عمل الخير والعلم النافع والتقوى فعل  ظالم ومجرم من الفطرة الإنسانية السليمة ومناقض لحقائق الأشياء و طبيعتها .

وقد جاءت الشرائع السماوية كلها والثورات الأرضية جلها لإزالة الظلم و إحقاق حقوق المستضعفين في الحرية والإنعتاق من كافة المظالم الجسدية والمعنوية الاقتصادية والاجتماعية و الثقافية .

وموريتانيا ــ كغيرها ــ من دول العالم و مجتمعاته عرفت الظلم والغبن و التمييز على أساس المحتد تارة ، والقوة أخرى ، وتأخرت هذه الممارسات الظالمة فيها إلى ما بعد دولة الإستقلال برغم الترسانة التشريعية من دستور  وقوانين وأحكام ، نتيجة للتخلف الفكري و العلمي والتقني وانغلاق المجتمع عن التأثيرات الخارجية.

ومع تنامي الوعي السياسي المؤدلج ظهرت حركات انعتاقية كبرى كان لها كبير الأثر في نشر الوعي التحرري و النضال الحقوقي بجدارة، تدفعها الوطنية الحقة والشعور بالآخر و حمل قضيته كقضية وطنية إنسانية عادلة بعيداً عن أي تعصب فئوي أو شرائحي أو طبقي…

لكن تحويل قضايا المظالم الفئوية و وحدة حال أهلها إلى حالة عنصرية وعصبية جديدة لخلق مكون إتني جديد هي دعوة مرفوضة لأنها تهدم كيانا واحدا وتخترقه أفقيا لتمزقه رغم أنه موحد لغة وعادات و تقاليد و أنماط سلوك ومنظومة قيم و آدابا و فنونا و مرويات و أحاجي و ومذهبا و تاريخا وانتماءات قبلية..

ولأن الإنتماء العرقي لا يحصل باللون و لا بالطبقة و لابتماثل المعاناة باعتبارها حالات متبدلة بتغير الوضع المادي و العلمي لصاحبها ، فإن المراهنة عليها خاسرة بشواهد التاريخ الحديث والقديم.

 صحيح أن التعبئة على كراهية المماثل أخوة في الوطن والدين وتحميله مظالم من طبائع المجتمعات القديمة، والشحن بالحقد والأوهام المريضة ، قد يولد انفجارا يسبب مآسي و يجدد مظالم كانت في حكم الآفلة ، ولكنه سيقوي اللحمة و يصهر الوحدة ويزيدها صلابة  بعد انطفاء الحريق و هلاك مسببيه ، و سيتضح أمام التاريخ و الناس أن المستهدف ـ في تلك الحالة ـ هو وحدة المكون الأساس للشعب الموريتاني أي الكتلة الصلبة الناطقة بلغة القرآن الكريم.

وإلا فلماذا لا يشمل الحراك الأرقاء الحاليين و الحدادين والأقنان و الصيادين و مزارعي السخرة و القوالين في القوميات الزنجية الموريتانية الأخرى التي من بينها من يفرق بين الفئات في الحياة وفي الموت و العبادات أم أن لعبة وحدة  اللون هنا تسمح بما لا يسمح به اختلافه؟

من هنا و تأسيسا عليه ، فإننا مارسنا النضال منذ الحلم من أجل حلم واحد لكنه عريض هو تحقيق  الحرية والعدالة و المساواة و الكرامة  والتكافل الاجتماعي الضامن حق المواطن  في العمل والعلم والصحة  و الفرح دون فئوية أو تراتبية أو تسلط في إطارالوحدة الوطنية الشاملة العادلة للشعب الموريتاني و صيانة هويته الحضارية الجامعة الضامنة لحق كل مكون في تميزه الذي يحفظ له ذاته دون نقص أو طغيان.

وبناءً على ما تقدم فإننا نؤكد على رفع الحيف التاريخي اللاحق بكافة الفئات قديما :من أرقاء سابقين ومعلمين وحمريين و لحمة  ومرابطيين و إيمراقن و نمادي و خدام تأبير.. وحديثا: فقراء أحياء الصفيح و سكان الارياف وعمال المياومة و الكفاءات المعطلة …

ونطالب الدولة بكافة أدوات فعلها أن يكون ذلك مسار فعلها ومقصدها الأسمى، و بنفس الإلحاح نندب الطلائع المستنيرة من كافة مكونات الوطن  والمجتمع أحزابا و منظمات و أسماء مرجعية إلى ممارسة كل الأساليب القانونية لإنجاز مطالب الجماهير المظلومة صاحبة الحق الحصري في إرادتها صنع غدها الوضاء…

*وبعدُ…

فرغم عدالة المطالب في المسيرة المعلن عنها يوم 29 إبريل، ومع بالغ احترامي لمنظميها  و الملتحقين بها من كل الآفاق ، و مع صدق و صدقية أصدقاء لي فيها يشتركون، فإنني ، لا أستطيع و لن أستطيع أن أسير خلف  يافطة فئوية أو قبلية أو جهوية أو عرقية…*

حمى الله شعب موريتانيا من كل مكروه..

ناجي محمد الامام

        مواطن