جديد الموقع : موجز عن صاحب الموقع  «»   عدنا…و العود أحمد  «»   مهمة في الاطلس المتوسط  «»   معادن الأرواح  «»   البطن الرخو..  «»   خطيئة النون  «»   كتمان  «»   أشواق شامية  «»   الكتاب  «»   شكوى  «»   المزامير  «»   وشاح  «»   حكايا العشيات3 (الجَّبَّابْ)  «»   حكايا العشيات2  «»   حكايا العشيات1  «»   ما لي بمدح المحدَثين يدان  «»   نكزة و تدوينة  «»   ناجي و نخبة موريتانيا و الضاد في صالون الولى  «»   حق الإقامة  «»   أنتِ والزنابق  «»   De La Chaudière  «»   الخطيئة  «»   رشة عطر  «»   إنهم قيادة العالم ولكنهم لا يستحقونها  «»   بيان من جمعية الضاد  «»   نحن و الزمن  «»   بيان عن اليوم العالمي للعربية  «»   بيان حول اليوم العالمي للعربية  «»   الصمت خيانة  «»   قنينة نفد الراح من خصرها  «»  

مارس 30
5

 الفصل الأول

علي امتداد دائرة الأفق وإلي منتهي الرؤية يمتدبساط ُسهلٍ أخضر مُمرع ، تتهادى عليه قطعان الأبقار غاديةً في دروبها منتظمة الخطو تصاديها على مهل وطمأنينة ثيران تختلف ألوانها و أحجامها ويبقي الأحمر ميراث الأجداد طاغيا في الجينات المشكلة لهذه السلالة البقرية العريقة..تنتظم كراديسها جيشا نسائيا تقوده الفحول على رأسها”ولد برش” يتعكن تامكه كأنه طربوش زعيم من قبائل الليبو،يقف ..ينظر حواليه …بمنتهي الهدوء والرزانة،و…يستوي علي أربع صلاب يقدم رجله الأمامية كمن يتهيأ لأداء طقس تعبدي،يضرب بظلفيه الحادين الأرض السوداء المعشبة ويحفرها بحركة منتظمة تهز كيان الإناث وتبعث برقيات التحدي إلي ذكور الأبقار في “الدول” المجاورة.. وفجأة يخور ويفغر فمه بأسنانه المحتدمة ولسانه السليط إلي أعلي كتمساح يتثاءب بعد فريسة مشبعة ..لاشيء يتحرك…لقد تم تقديم فروض الولاء البقري الصامت صمت الهنود في حضرة بوذا…وينتظم السير..بعد أن أخذ مكانه في المقدمة.

غير بعيد في صفوف منتظمة يقع فريق الخيام الوبرية السوداء تلف قننها قلائد  من وبر أبيض تتخذ شكل صلبان،كأنها تعويذة كنسية حفظتها الذاكرة في مكتوم اللاوعي العجائبي، في كل اتجاهات الخيمة:السهوة ، مدخل “المتدرقين” بعد المساء، و”المنحر” باب الإنس والأُنس و الخير…

صَافِنًا علي عصاه، كالجواد الأصيل، يقف رباح بقامته الربعة وعضلاته المفتولة كتمثال فرعوني متقن التقاطيع،، يشد وسطه بحزامة من جلد ناعمة الملمس جميلة الحفر يتدلي تحتها من كشاط سرواله “جواء” الموسي الجديد بألوانه الزاهية ، لكن طول استعمال النطاق ترك دائرة داكنة علي الدراعة البيضاء ،دليلا علي القيام بالمهام وعدم الإهمال.

إنه ينتظر عودة القطعان من “دوفنه” إلي المراح، وكلما استبطأ سير القطعان الوئيد أطلق صفيرا كأنه عزف الناي،تكاد تميز أي شور يلحن من دقة الإيقاع ولذة النغم… وكأنما، يقطع علي السامع عمداً لذة الشجن، ينادي بصوت خشن..برش…برش… أم دلال…أم زريبة…ساهله…وعند ساهله ونداء غشيوة…تحس حنانا خاصا إنهما ملكيته الخاصة…فتخاله ينادي أو يكلم آنسات من الحي في لغة المتيم الغزِل..فتستجيب بخوار مهموس غشيوة… بينما تبالغ ساهله في الإستجابة ،ولكنها لا تستطيع تجاوز الغضنفر ولد برش الذي يتحكم في إيقاع المارش العسكري المنتظم المهيب..

غير بعيد عند طرعة زريبة العجول يقف إثنان من شباب المحظرة للقيام بمهام الطلاس، يُدخلان كبارالعجول فيها ، بينما “يربق” عليُ الصغار التي لا تحفظها الزريبة لقدرتها علي القفز فوق الحواجز.

  النامي يسخن التيداتن علي نار ذكية من خشب “تازنت” زكي الرائحة ،مراعيا تقاليد السخانة ليكون الحليب لذيذا وشافيا، في حركات رشيقة درب عليها منذو نعومة أظافره، يمسك كعب التاديت ويُنزل فوهتها علي لهب الجمر الصافي الذي لا تكدره دخان ويمسكها حتي نهاية تحمله السخونة و يرفعها إلي أعلي ودموعها في تهطال سحوح ينبعث منها قتارشواء ترسبات الحليب و نسغ عود البشام الذي منه تصنع التاديت،فيتعطر المكان بعبق الخصب و البركة والوفرة والتفاؤل يداعب البطون قبل الأنوف.

 يتسلل  شامخ ليجمع الحبال والنسع من فوق مطانب الخيام والعشش و الزرائب في عملية جمع “إِزَزّاتْن” التي تقيد بها البقرة عند الحلب من رجليها الأماميتين مع رقبةالعجل،أما الرجلان الورائيتان فتكفلان (تقيدان) إن كانت البقرة شرسة…بعد أن يستدرّ برضعة أولية محسوبة ضرع أُمه فتدر بسخاء الأمهات اللامحدود ليجلس “الحلاب القرفصاء محكماً قبضة ركبتيه علي التاديت ..وبحركة”أجبرتْ” الرشيقة بين الأخلاف الأربعة: “المُقْدَمَيْن والموخَرَيْن”،يتصاعد صوت “البخش”، ثم يَتَصامَتُ وذاك دليل “خنددة” التوس، ومهارة الحلاب ..إنها طقوس حلب البقر في صباحات الخريف بعد “دوفنه”.

  تُجيل فاطمه يديها بحشيشة من الفلية الخضراء لتنظيف داخل “التازوة”،بينما تنكب فتيات الخيمة علي غسيل القدحان والقصع الأخري مع تشديد العناية بالقدحات الزرق التي تعد للضيوف و كبار الزوار، ومغاريف الأكواز والغشائش، والجيرات  المتوسطة..

في مكان خاص لا يتبدل عند فم الدبش أمام ديكور “الرحال” تعلوه “التيزياتن” بهدابها المتدلي كالدمقس المفتل يصل بينها قربوس “الحرج”الأصفر اللماع و”دايات “خشب”يطه” الأحمر المحفور بأشكال هندسية أندلسية باذخة ، وعكك السمن المعلقة علي الدايات ،تجلس أم المعالي سيدة المخيم وحرم الشيخ ، إنها سيدة مهيبة المظهر وَقورالجوهر ذات سمْت أخاذ عليه طلاوة الإبهار و سيماء الزعامة… ممتلئة طويلة القامة بيضاء حليبية البشرة تلبس ملحفة سوداء من نيلة متوسطة  ،تترك علي بشرتها القمرية ظلالاً من غضارة النعيم و نضارة الحياء، تتجلل بجِلال من الحائك الأخضرينسدل ،بلامبالاة، علي كتفيها من جيدها بعيد مهوي القرط..إنها علي قدر من جلال جميل التفاصيل،لا يفارق ثغرها الأشنب ذكر الله وتلاوة القرآن أو مدح الرسول، وإلا فحكايات وشعر وأيام العرب..وقليل من الطرائف و الملح..تجلس ،أبداً ، قبالتها “بنت علاده” تحكي غرائب “الحلة” التي لا تنتهي، وبطولات ابن عمها “الأمير” وكرامات “أشياخها”الخارقة…تنتظر “الحلبة” الأولي التي هي خصوصيتها من يوم أن “غادرت الحلة” لأمر لا تبوح به والمشائخ عنه لا يسألون…إنها شجية الصوت صيتة ،سليطة اللسان طيبة الجنان، مرهوبة “اللفظ”..

إن أم المعالي لا تصدر أوامر ولا نواهي فكل شيء تفعله بمقدار ..إنها، فقط،تشير و تومئ وتهمس، وتلك شنشنة النبل عند هذا الحي من بني ساعدة الأقيال.. وشيم الزوايا في أحقاف هذا الذراع المطل على آفطوط  المصاقب لأقان …

 ehlsahel

الرجاء الاتصال بنا لحجز هذه المساحة للإعلانات

شاهد مواضيع أخرى لـ

5 تعليقات لـ “ رواية : العبقـــــــــــــري وشرطي الإمارات ح1 ”

  1. الأخضرينسدل بلامبالاة علي كتفيها من جيدها بعيد مهوي القرط..إنها علي قدر من جلال جميل التفاصيل،لا يفارق ثغرها الأشنب ذكر الله وتلاوة القرآن أو مدح الرسول، وإلا فحكايات وشعر وأيام العرب..

    رائع جدا ..

    بنتظار وصف الليل .. الذي تجاوزته هذه الحلقة … تقبلوا كامل التقدير

    • ناجي محمد الامام يقول :

      سلمت يا يسلم، ودام ذوقك شفافا راقيا ، أحسنت القراءة وأبدعت في التعبير و إدراك مساقط الدلالات عشتَ لنا

  2. رووووووووووووعـــة كما أنت دائما يا ناجي دمت لنا ودام حبرك

  3. ابوسناء يقول :

    اخيى الفاضل والشاعر الفذ ان باقى الرواية ان امكنة مع تحياتى