- ناجي محمد الإمام
- كتبوا بامتياز
- الزيارات :
-
وفاء وشكرا للشاعر الكبير
ناجي محمد إمامأما أحدهما فقال:
تمثل الأسباب وعلاقتها بالمسببات واحدة من أهم نقاط الارتكاز في حركة الكائنات، وعملية الصيرورة في الوجود، ولأن المسبب لم يكن لازمة وجودية للسبب وحسب؛ بل كان كذلك لازمة معرفية وفلسفية له كذلك، فإن ضروب المعارف المختلفة تأسست وانبنت علي اعتبار اللازم والملزوم جسما واحدا لا يقبل الفصل أو الانفصال.. حتى أهل اللغة لا يتورعون عن إنزال أقسى العقوبة، بمن يحاول الفصل بين المتصلات بالطبع والقياس، المتلازمات بسماع الثقات من النس عن مثلهم من الناس.. فلا نستطيع فك الاتصال بين حرف الجر وما يجره، ولا بين حرف القسم وما أقسم به.. وامتدت قدسية التلازم حتى نالت المضاف والمضاف إليه…
أما في الا جتماع والتاريخ فهما مربط فرس اللازم والملزوم، للصلة الأزلية بينهما والوجود.. إذ هما ببساطة مظهر الوجود المشهود، الذي يتسق ناموسه وفق البناء المعروف لنا والمعهود.. بيد أن من المتلازمات ما يسهل فهمه، ومنها ما لا يدخل في المجال الحيوي لحركة العقل، فتحجبه حجب الغيب السميكة، إلي الأبد.. أو إلي حين ..
ومن الأولي ، ومن الثانية شقها الأخير، أحداث ومواقف وتصرفات، صاحبت ما بعد ميلاد هذه الأمة بقليل.. شطرت الأمة إلي شيعة والوا بيت النبوة، ومرجئة آووا آل أمية.. بالسيوف والحراب، والحياد والجلوس إلي المحراب.. ولأن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، كتب التاريخ في بلاطات السلطة الزمنية، وعلي موائدها العامرة، وأمعنت في ما كتب منه في غير ما أرادت، وبغير ما حددت، حذفا وتحريف وحرقا وتخريبا، حتى فصّلته علي هواها، وجدّت منه ما لا ترغب بموساها، حتى راق لها، ونال رضاها…
وانقسمت الأمة فسطاطين .. وتفرق ذووا كل فسطاط شيعا شتى، وفرقا وأحزابا.. واحتقنت النفوس واشتدت الضغائن… وضاع العدل والحق .. مع أن بالأول تقوم السماء والأرض، وبالثاني تستمر وتدوم.. قامت السلطة الزمنية بمصادرة العدل، وقام رجال العلم بمصادرة الحق، وادعاه لنفسه كل فريق.. والحق واحد لا يتعدد!
ورغم ذلك ظل ثمت من يؤمن بالسقيفة ومن بناها، لأنها ولأنهم كانو شهود عدل علي لحظة، علها أخطر اللحظات في تاريخ الأمة… ولكنهم بالدرجة عينها آمنوا بحاكمية المصحف، وأحقية من رفعه… يوم صفين… وآمنوا كذلك بوحدة المصير، بين بيت النبوة، وأبيات دار الهجرة.. لأنهما متلازمان… يوم أن ذهب الطلقاء بفيء حنين، ورضي الأوس والخزرج بالعودة إلي رحالهم صحبة الحبيب صلي الله عليه وآله وسلم… وقبل ذلك… علي العقبة.. وبالعدوة الدنيا من بعدُ، يوم نجت عصابة الحق، لأن الله أراد أن يعبد…
ولأن المتلازمات ظاهرة وجودية، وسنة كونية، فإن علاقة الأنصار وبيت النوة ظلت صامدة، تنظر إلي المنطوق والمكتوب، فتحاكمه إلي ظرفه الزماني والمكاني، لعلمها أن المسكوت عنه عمدا أهم بكثير من المنطوق به… وأن المسكوت عنه ما زال مسكوتا عنه، بحكم السلطة بأشكالها، وبفعل حركة التزوير والتبرير الواسعة في تاريخ الأمة… التي ما تزال ساكتة… ومع ذلك فإن آل البيت والأنصار سيظلان متلازمين.. ساكتين.. حتى يقول رجل.. ــ والنكرة المقصودة أقعد في التخصيص، وأقدم رتبة في التعريف، من المعرفة ذاتها ــ وحين يقول رجل، فذلك مدعاة إلي النطق، وأدعى إلي الاسترسال.. فلعلها تكون بداية النطق بالمسكوت عنه من فعل التاريخ، وحركة وقصود الناس..
وقال رجل: إنني أنا أحد رجلين، أناخا بعيرهما وصليا الضحى ركعتين.. وأقول ــ بكل أدب ــ للشاعر الملهم، والأديب الأريب، الأخ العزيز ناجي محمد إمام: قصتي بدأت معك..
كان الوقت أصبلا، والمكان ــ أعتقد كما ترى، وأنت أدرى ــ مرمى حجر من الجواء، حيث دار عبلة… هنا وقفت أنا وعنترة … وبرغم الاختلاف بيني وبينه، من حيث شعره وفروسيته وعبلته.. فقد أدرك الثلاث، ولم أظفر منهن بواحدة.. إلا أنني أيضا ظفرت بما لم يظفر به هو.. بينما كنت أقلب صفحات الفيس، وقعت عيني علي اسم شاعرنا ناجي… فلم أصدق عيني.. وبدأت أقرأ وأقرأ حتي رويت.. ومكثت يومين وأنا أختلف بين الحين والحين إلي صفحة الشاعر، ثم قررت إرسال طلب الصداقة إليه.. وما لبثت أن جاء البريد البشير بقبول الصداقة…
والحق أن مما شدني إلي شاعرنا عدا شعره الذي كنت أقرأ له منه، أمران: أولهما : أن عبقرية الشاعر في كتابة النثر لا تقل في الروعة والرصانة والالتزام بحال من الأحوال عن روائعه الشعرية التي سار بها الركبان، وضربت إليه آباط الجياد، وهو أمر لم يسبق لي به علم.
أما الثاني، وهو لا يقل عن الأول ــ بالنسبة لي ــ فهو الاتساع والتنوع في صداقاته، فإنك تجد الشنقيطي فيها إزاء التونسي، كما تجد فيها أهل الكنانة والرافدين والمغرب الأقصى وأهل البقاع وسكان النوبة…. وهو أمر أوحى إلي بالكثير عن الرجل (وأل عهدية) الذي قال..
والحق أن منشورات الشاعر وكتاباته، أرغمتني علي أمر عزفت عنه منذ سنوات عديدة، فلقد كنت أغالب نفسي إن دعتني إلي الكتابة خارج نطاق الدراسة وما تتطلبه من بحوث، والعمل وما يستدعيه في بعض الأحيان من تحرير.. حتى بدأت أدمن الرجل وأنتشي لكتابته، حينها أحسست بالخاطر الذي كان يراودني، يلح علي بكتابة تعليق أو إبداء ملحوظة … فسقطت ورفعت الراية البيضاء.. وبدأت كلما سنحت الفرصة أتملي الصفحة وأنتشي .. ثم أجد يدي تتسلل إلي القلم…. أنت يا شاعرنا من أوقعتني … ومنك تعلمت زرقة البحر.. وعلمت منك أن ركوبه ممتع.. وأنت من أعرتني المجداف.. قال أحدهما شكرا لك أيها الشاعر الكبير.. شكرا لك يا ناجي.. هذا ما كان من أمري.. أما الآخر … فقد أمنا في الضحى ركعتين .. وتركته مع رفيق دربه علي بن متالي… غادرتهما.. وذهبت أشرب زرقة البحر…