الساحل:أزواد ، أمس..القاعدة اليوم، وغدا؟ ـــــ1من 2ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مـــوريتـانيـا:البطنُ الرِّخْوُعاملُ قـُوَّة إذا أُحْسِنَ توظيفُه لم يعد طرح الأسئلة الآنية ذات المفعول المؤقت ،ذا معنى، فقد اتضحت مجريات الأمور، لمن ألقى السمع...
الشاطئ اللازوردي ح4

ناجي محمد الإمام
شاعر وكاتب وأديب نهضوي عربي , اشتهر بلقب “متنبي موريتانيا” نهاية الثمانين .. وقد شغل العديد من المناصب السياسية والإدارية و المهام العربية والدولية، في كثير من المسؤسسات الرسمية المحلية والدولية..كتب عنه عدد وفير من الدراسات في شكل رسائل وأطروحات جامعية، أومقالات في الدوريات الوطنية والعربية.
بالإضافة إلى عمله كرئيس لـمجلس أمناء جمعية الضاد للإبداع ونشر اللغة العربية و الدفاع عنها ، شغل ناجي إمام منصب رئيس المجلس الأعلى لإتحاد الأدباء و الكتاب الموريتانيين…
آخر المقالات

إنهم قيادة العالم ولكنهم لا يستحقونها
إنهم قيادة العالم ...ولكنهم لا يستحقونها ( الحلقة 2 من 4 ) إن إقرار و استقرار الحقيقتيْن المذكورتين في الحلقة الأولى الناجم عن ثبات مفعولهما المدمر على ما سوى الغرب...

الصمت خيانة
الصمتُ خيَّانــــــــــــة.... منذ فترة توقفت عن محاولة فهم ما يجري في بلادي ،و سلمتُ بقصوري الذهني عن إدراك مسببات ما يُفعلُ و ما يُقال ،و ما يُتَدَبَّرُ به، وما يدبر له. وأسندتُ ظهري إلى"اللاشيء"..ورغم أن "ا لعدمية" مدرسة سلبية ،فإن موجبها الوحيدَ أنها "تريحك"...
كلما طوحت به الأسفار إلي صقع يدفع ضريبته المعتادة سهر الليلة الأولي حتي تتعود ساعته البيولوجية المكان..ولما أعيته الحيلة..أراد أن يكمل استشارة ضرورية للجنة التحضير المقررة في (بانكوك) خلال يومين، ولدي الخبيرة وثائقها..
تردد قبل أن يطلب من “البيه الأزهري” ،في خفر بدوي يطاردنا ويمنع علينا حرية المسلك، أن يعرف
أين نزلت “الأخت” كاترين دلاشوديير .. ولكنه في الأخير استجمع آلاف الأطنان من المثبتات ليقول له بلغة الآمرالرزين: من فضلك دكتور، لضرورات العمل، أطلب نزل الخبيرة كاترين وتَمَنَّ عليها الإلتحاق بنا مالم يكن لديها مانع!
-حاضر ثوان.. واتَّجَهَ إلي “اللوبي” ومنه اتصل وأعاد ربط الإتصال بي :إنها في الطريق إليكم “إكسلانس”
هل هناك خدمة أخري؟ لا شكراً هل تود الإنصراف؟ كلا أنا مع حراساتكم في الغرفة الموالية…
وانتابتني نوبة استغراب ..مع كل هذه البساطة هناك حراسة وخاصة أيضا… اللهم لا جلد للذات!!
بعد نصف ساعة تخبرني كاترين أنها و السيد صابونجيان الخبير اللبناني بالبهو، أتعجل وأنزل دون كبير
بروتوكول سترة”سبورت” وبنطلون رمادي بدون ربطة عنق…تبادل التحيات المثقلة ب”التغرب”(ترجمة لعبارةفرنسية تعني الشعور بانك مستلٌّ من أرضك)
…نتعشي؟ قلتُ…قال الأرمني النحيف نأخذ شيئا خفيفاً
ونشرب…شيئاً خفيفاً …قلتُ….فضحكتْ(كاترين) قالت معناه أنك لا تشرب!قلتُ من لا يشربْ يموت عطشاً..
شعر الخبيران براحة التحلل من الرسميات فضحكا للنكتة…
إخترنا مائدة منزوية، وبعد العشاء الذي بدأ خفيفا ثم تضخم مع مناقشة الوثائق و تمحيصها و تثاقلت العيون و تثاءب الأرمني..
…ودَّعتُهما وكانت الساعة تأمرهم بصبحية نوم هادئة.. وتأمرني ب”الصبر”و الصلاة..ففي الدولاب مصحف جميل و جدول لمواقيت الصلاة.
دورة النموالاقتصادي المذهلة تشق عنان السماء دون ضجيج ولا قصائد مديح ولا علامات نصر ولاصور مكبرة حتي لملك البلاد التي لا يعرف أغلب الناس أنها مملكة يختار ملكها بالإنتخاب من بين ملوك الأقاليم ..
في فندق الباسيفيك نزل ثلاثون وزيرا من مختلف قارات العالم بدعوة كريمة من زعيم البلاد ونائبه لإطلاعهم علي تجربة ماليزيا في التربية والبحث العلمي…
يقول الترجمان في مقهي البهو الذي يتسع لفطور سكان منظمة استثمار نهر السنغال…هناك توسعة ستجري قريبا علي هذا الفندق ليسع الزوار فهو عريق وفي قلب المدينة..فعجبتُ للإقبال الذي يجعل هذه المدينة المفندقة تضيق بنزلائها..قطع الدكتور شريط تعجبي قائلا:أنا و”أم العيال” ناخذ أسبوعيا شاينا هنا مساء..وتذكرتُ أن صديقنا درس في الأزهر.. وكم مصَّرتْ مصر العظيمة ضيوفها!
سعادتك..سننتقل الآن إلي مبني الحكومة وستقابل صديقك داتو عبد النور ليرافقكم إلي الزعيم .. انت تعلم هو صاحب فكرة النهوض وليس الزعيم…وأحسستُ، فيما بعدُ، أن الإحتكاك بدأ مبكراً، بين مؤلفي سفر المعجزة الماليزية..
منذ الإنطلاق من الفندق مرورا بحركة”المرور”و واجهات المباني والشوارع و الممرات وحركةالناس دون تدافع علي الأرصفة …وعند مدخل المبني ذي السواري الأنجليزية المهيبة، بدا كل شيء مرتبا بعقل ياباني وإحساس إنجليزي وآلية صينية وطابع إسلامي وانضباط آسيوي..هكذا رتب (ماحي) النعوت طبقا لحيادية ألزم بها نفسه من كل ما يري بعيداً عن الإنطباعية والعاطفية المنافية للرؤية الموضوعية والروية الفاحصة.
قبل ان ندلف إلي الداخل أخذتْ بمجامع قلبه الحدائق الغناء الممتدة سجادة عجمية تزهو بألف لون ولون لا يشوبها إلا انتشار نخيل جوز الهند و لممه العالية كجدائل متمردي الجنوب .وَدَّ لو تركوه يزود ناظريه بمخزون يكفي لعبور جفاف الصحراء وغبار الساحل ..لكن توارد المواكب جعله ينتظر إشارة”البيه” الترجمان..وإذا بالصديق يطل من مدخل القاعة المواجهة بابتسامته العريضة وسحنته ذات السكينة الإسلامية المحببة..
-سلامات داتنغ داتو …سبقته بها ضاحكا…أهلا ومرحبا سيد سعادت ماحي..في تبادل حميم”للقفشات” يشي بتعارف مضت عليه سنتان ونيف..تمخض عن بروتوكول اتفاق ثنائي يقضي بأن يتكلم (ماحي) بالعربية المبسطة الفصحي دون علامات (تنوين) تربكه كما قال!! وأن تطعم بمصطلحات أنجليزية كلما سنح قاموس ماحي بذالك، علي أن يكون العكس من (داتو) انجليزية مبسطة لا تصرف فيها الأفعال مع استخدام المصطلحات المفرنسة إن سمح قاموس معاليه… وهكذا “تثاقفنا” كما يقول أهل الأدب!
إقتضت المقابلة المشتركة لجميع الوفود أن ننتظر اكتمالهم وكان آخرهم جارنا الدكتور جوب ممادو وزير التربية الغوغولي الشقيق الذي بحميمية سيتبادل التحيات مع (ماحي) بالولفية في مرح طفولي يتقنه الأفارقة.
وقبله سعد بلحظات من الحديث المفيد مع وزير التربية العراقي الذي كان فيما يبديه له الماليزيون رجل علم معروفاً،،وكان العراق أيامها ينهض بسرعة مذهلة…
في لفتة كريمة أمسك الدكتور داتو بيد ماحي وسار به جنبه إلي داخل القاعة الكبري مع الوزراء الزائرين
إتخذ أصحاب المعالي مقاعدهم و ما إن استووا حتي أعلن حاجب صغير الحجم جهوري الصوت وصول رئيس الوزراء تنكو ..وقف الجميع ودار حول المحفل مسلما وجاء إلي كرسيه، ورغم أن(ماحي) لم يكن وزيرا، فقد أرسوه مباشرة بعد الوزير العراقي المبجل، بحيث لا يفصله عن الزعيم إلا هو…
أَمَـرَّ يده علي أرنبة أنفه.. ورحب بالحضور..ثم قدم عرضا ،بدا لي متقنا رغم تفلت الكثير منه من بين مدركاتي المتواضعة في لغة شكسبير(الشيخ صبير!!).. واستغربت أن “البيه” الترجمان قد أُصيب بنوبة صمت غريبة ..
استمرت المداخلة زهاء عشرين دقيقة ختمها بالرد علي استفهامات من السفيرالفرنسي لدي اليونسكو و الوزير العراقي العالم واستفهام من(ماحي) عن تجربة معهد”مارا” للتفوق القاضية بفرز المتفوقين في كل المجالات وإلحاقهم بسلك تعليم خاص من الإبتدائي إلي العالي… واسترسل في الرد عليه كما لوكان السؤال عناه أكثر..ثم نهض متوجها إلي المدخل يودع الضيوف تباعاً..فلما مر به(ماحي) استمهله بقبضته قائلا : لنائبه،و ترجمانُه يُعَرِّب،لقد تعشيت أنا وصديقك في فندق كذا سنةكذا علي مائدة فلان…يا إلهي كم مضي علي ذك؟؟ بادره النائب : مضت عشر سنوات سيدي…كان (ماحي ) يربت علي اليد الكريمة للزعيم ويقول ماشاء الله ذاكرة تحفظ البسطاء أمثالي ولديها ما يشغلها من عظائم الأمور… أعاد النظر مرتين وقال لرفيق دربه حدثوني آنذاك عن قدراته الخطابية الخارقة ….أسمعت ما قال!..
بلي…كان آنئذٍ زعيم حزب معارض في بلاد إسلامية بعيدة غامضة وكان يستعد لخوض انتخابات أوصلته وزميله لسدة الحكم وأطلقوا هذه الملحمة السلمية الفريدة (نهوض ماليزيا)…
سي يو..مستر (أراك سيد) ماحي..قالها بانجليزيته الأنيقة مؤكداً علي نائبه: فلتجهزوا زيارته إلي “بينانغ”….