مدائن الإشراق التي عني بها المتصوفة والإشراقيون والمهفهفة بطونهم و أرواحهم قد تكون “بينانغ “واسطة العقد بينها وقد يكون “قطب  رحي الوجود” المتصرف فيه ، يعقد اجتماع التصريف قُرْبَنَا أو بيننا عند ذاك الغروب الساحر علي قمة الأكمة…

ننزل ُطُوَّي إلي مهبط الغبش الجميل بين أنوار أعمدة تذرف الدمع الهتون علي مغادرة”ماحي” وقد توسمتْ فيه ملامح العشاق،كأنما بودها أن تنشد مع هدأة العشايا:لا تُخف ما صنعتْ بك الأشواق×واشرح هواك فكلنا عشاق×فعسي يعينك من شكوت له الهوي× في حمله فالعاشقون رفاق..

رفعت عقيرتي بالبيتين علي طريقة المتصوفة في التنشد…فالتفت إلي الدكتور الترجمان:سعادتك يقال إن بلادكم فيها تصوف كثير؟؟وقبل أن استعيد مرتكزات عقلي إلي الأرض لأجيبه ينسرب من البارونة استفهام بسيط…أَ كنت تصلي أو تغني..لقد كان الصوت (نديا)….قلتُ:إلاَّ ما أعدتِ السؤال بنفس العبارة ..وبحذق شديد..:كان الصوت (نديا)…نديا…قالتْ،،،،

هناك ثمة عبارات لو أنفقت ما في السماوات والأرض لتجدها ما حصلتَ منها علي “حرف”… ولكن ملكوت السماء، ومَلَكَةَ الفصاحة ؛ و قدرا معتبرا من الرقة ؛ومقدارا يشف عن الكيل من الظرافة؛ مُخَلّلًا بقدر “دانق” من الحظ…يجعلها طوع لسانك في اللحظة الأنسب.

وحَرَّفتُ بيت أبن العتيق إذ أسترقتُ إليها”نظرة “وامق… من “القرب” لاقي منه ما لا يطيقه..وتذكرتُ،مرةً أخري،بيت التصوف اليتيم:وأصعب ما يكون الشوق يوماً/ متي دنت الخيام من الخيام… فكيف إذا كانت النعال حذو النعال؟

ولأنني لم أَرُدّ علي سؤال الدكتور فقد استدركتُ…وأنتم ببلادكم أي طرق التصوف؟- بالأساس القادرية…سعادتك نحن سنودعكم الليلة لنعود إلي العيال…وسيقوم الحرس بإجراءات السفر إلي بانكوك ..فترة الطيران فقط ساعتان تزيد أو تنقص..لكن الآن سنقوم بزيارة مجاملة لحاكم بينانغ داتو عبدالرحيم بن مرحوم داتو عبد الغفور..وستنا الزهراء بنت مرحوم داتو مظفر الله…فعاجلته قبل أن نصل المرحوم العاشر…:قَصرُهُ بعيد؟ فقال:لا لا نحن قريبون منه…قلت: نحن في ملابس لا تليق بروتوكوليا…قال : هو يعرف برنامجكم وسنحتسي معه شايا علي نجيلة ملعب الغولف في قصره …

وللمرة الأولي..أطلق الدكتور العنان لضحكة متواصلة الإيقاع  من “دو” إلي “سي” وألحق بها..إنه الآن في ملابس” الغولف”..

وتدخل السيارة في عتمة المصابيح الدامعة علي ممر يحرسه نصف دزينة من الشرطة خفبفي الوزن والتسليح الظاهر، ولكن ملابسهم منضبطة وكذا مشيتهم…الممر أو الدرب طويل بين باسقات النخيل تحفه أرصفة بيضاء متقنة التصفيف…وتتوقف السيارة  ليفتح الباب حاجب ملكي مطرز البرنس مذهب الطربوش كأنما وصل من القرون الخالية مع ملائكة الليل….

لا تسمع علي العشب الكثيف إلا أنين صغاره تحت أحذية الوافدين رغم لطفهم.. ومن بعيد تتراءي أنوار مبهرة تشكل بحيرة من الضياء تنير دبيب الدم في العروق… ويهمس في أذني الدكتور:إنه القادم ومعه ستنا: رجل سبعيني أصفر قوي البنية لا بالطويل ولا بالقصير أحسنت الرياضة إلي صحته أما ستنا فإنها بنفس ملابسه مكتنزة الجسم و التقاطيع تعتني بشعرها الأسود الفاحم القصير…نتصافح ونقترب خمستنا من مقاعد خيزران علي شكل دائرة تحيط بمنضدة.. ويدعونا للجلوس…يبدأ الحديث عن تاريخ العائلة ودورها في استعادة الجزيرة وأسماء زملائه من الحكام الذين يزورونه لجمال جزيرته…والتقدم العلمي و الاقتصادي… ونحتسي ببطء كما تقتضي الأعراف… ثم يسأل..سيدي الشريف، والكلام موجه إلي هل تحفظ بردة النبي للبوصيري… يؤكد الدكتور نيابة عني …لابد… اسمهم يا نيافة الحاكم الدولة الإسلامية.. وهكذا تنفعنا محفوظات أمهاتنا…يشد الإبهام إلي الوسطي ويبدأ الأيقاع،تماما كأتباع التيجانية في “كبمير”:

أمن …تذكر جيران بذي سلم… وكما يقول المصريون هات يا عصا…