صباح نواكشوط

يونيو 12, 2014 | تأملات وأفكار

ناجي محمد الإمام

شاعر وكاتب وأديب نهضوي عربي , اشتهر بلقب “متنبي موريتانيا” نهاية الثمانين .. وقد شغل العديد من المناصب السياسية والإدارية و المهام العربية والدولية، في كثير من المسؤسسات الرسمية المحلية والدولية..كتب عنه عدد وفير من الدراسات في شكل رسائل وأطروحات جامعية، أومقالات في الدوريات الوطنية والعربية.
بالإضافة إلى عمله كرئيس لـمجلس أمناء جمعية الضاد للإبداع ونشر اللغة العربية و الدفاع عنها ، شغل ناجي إمام منصب رئيس المجلس الأعلى لإتحاد الأدباء و الكتاب الموريتانيين…

آخر المقالات

البطن الرخو..

الساحل:أزواد ، أمس..القاعدة اليوم، وغدا؟ ـــــ1من 2ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مـــوريتـانيـا:البطنُ الرِّخْوُعاملُ قـُوَّة إذا أُحْسِنَ توظيفُه لم يعد طرح الأسئلة الآنية ذات المفعول المؤقت ،ذا معنى، فقد اتضحت مجريات الأمور، لمن ألقى السمع...

إنهم قيادة العالم ولكنهم لا يستحقونها

إنهم قيادة العالم ولكنهم لا يستحقونها

                                          إنهم قيادة العالم ...ولكنهم لا يستحقونها                                                        ( الحلقة 2 من   4 )   إن إقرار و استقرار الحقيقتيْن المذكورتين في الحلقة الأولى الناجم عن ثبات مفعولهما المدمر على ما سوى الغرب...

الصمت خيانة

الصمت خيانة

  الصمتُ خيَّانــــــــــــة....   منذ فترة توقفت عن محاولة فهم ما يجري في بلادي ،و سلمتُ بقصوري الذهني عن إدراك مسببات ما يُفعلُ و ما يُقال ،و ما يُتَدَبَّرُ به، وما يدبر له. وأسندتُ ظهري إلى"اللاشيء"..ورغم أن "ا لعدمية" مدرسة سلبية ،فإن موجبها الوحيدَ أنها "تريحك"...

صباح نواكشـــوط….

 

بعد صلاة الصبح اليوم ، وجدتني أحمل نفسي من شمال عاصمتنا الدميمة إلى وسطها ، وكم كنتُ أود أن أتوجه إلى (قلبها) ولكن ما الحيلة إذا كانت ب(دونه)…

كنت مدفوعا بشوق و فضول : أما الشوق فإلى تقاطع  ج ع الناصر و ج ف كينيدي غربا …و تقاطع ج ع الناصر و ش دي غول شرقا حيث كان (فؤاد) العاصمة الفتية كما عشقته أواخر السبعينيات بمطاعمه النظيفة الهادئة التي لا تتجاوز الثلاثة :فينيسيا و الهناء و فلسطين حيث كنت بمائتي أوقية تصطبح وتغبق ، ثم تنطلق  لتستقل الباص النظيف من وقفة المقاطعة الخامسة إلى وقفة المقاطعة الأولى بعشر أواق و إذا توقفت دونهما فبخمس أواق فقط لا غير، أما إذا كان  دخلك يسمح ب”الترف” فما عليك إلا أن تستقل سيارة رينو4 بعشرين أوقية للمشوار أو بعشر على الرصيف، وإذا كنت من هواة العداد فعلى مسؤوليتك ، كانت جزيرة شارع جمال عبد الناصر بين المسارين مزروعة بأزهار الدِّفْلىَ الفواحة تتعهدها العاصمة بالري كل صباح فيرطب الجو و يزهو المكان على بساطته .. و يسعى الناس زرافات و وحدانا  إلى حيث يجب فترى العمال بملابسهم الرسمية وُجوباً فتعرف كل معمل أومكتب  بوسمه ، وتسمع أهازيج الطبقة العاملة لدى العاطلين يرفعون مطالبهم أمام بورصة الشغل  وينتظرون عروض التشغيل ، و تصادف طلاب و طالبات الإعداديات وعلية القوم من طلاب الثانوية(الوطنية) ومدرستي المعلمين الابتدائية و العليا و تلاميذ الابتدائيات وكل هذا العالم الحالم الجميل على نفقة الدولة من القلم و الدفتر إلى الحقنة و الاستشفاء بلا مدارس حرة و لا من يحزنون .. حينها كان النضال من أجل الوطن ـ من كل حسب فكره و قناعته ــ والمعارضة والموافقة من أجل الشعب،،، وكان الشعر بالذوق  و الحب بالحياء و الملاحة  بالصفاء و التسامح  للحياة و الإيمان  بدون كهنوت…

فأين مضت تلك العذوبة كـــــلها ** وكيف مضى الماضي وكيف تبدلا

سلام على من كنتها يا صديــقتي ** فقــد كنت أيام البسـاطة أجـــــملا

أما الفضول فكان إلى رؤية عاصمة بلادي و هي تتحرك من أمعائها لتتجشأ أو تجتر أو ترجع ، لأنني و سكانُها ، نعلم أنها و أنهم لا (يسعون) أو لم (يعودوا) يسعون إلى شيء …

وقفت السادسة و الربع من صباح الله هذا(الاثنين9يونيه)على طلل التقاطعين المذكورين ..

 وكان الهدوء المشحون بالملح و الرطوبة و الكسل و التيه و القمامة المناخَ السائد على الزوايا الجرباء و الحيطان الغبية و الأزقة العفنة و المتسولين الحفاة و المجانين العراة الذين يمارسون حياتهم الهامشية من زيجات وطلاق وحميميات و شراكات وفقا لمقتضيات حالهم المركون على منكب المنكب البرزخي حيث تعيث العُثة في كل مركون و الكل مركون …

أجوب الطوار المحاذي للسوق أمام المدرسة  :لا ناظر ولا جرس  ولا رسوم اطفال …أقطع الشارع الذي أصبح سيَّاراً بدون ضوابط ولا سيارة تعبر و لا زحمة  ..

يفاجئني  صديقي الفيلسوف العاري بضحكته العريضة و فرنسيته الفصيحة و حسانيته السوقية ليقول لي بذاكرته الالكترونية : آآآه  .. صديقي الثوري لمن تُصوت؟ أخرج  الحصالة وانقده ما تيسر ليعود إلى سريره الوهمي سعيداً مقررا التصويت لأحد المرشحين بقناعة الثوري المعتق…  لعلَّه أسعد ساكنة مدينة العفونة… من يدري ؟

السابعة  إلا ربعا…تبدأ سيارات أجرة كسولة متهالكة تدب كالجرذان الموبوءة تقذف من بطونها أرتالا من الخادمات الأجنبيات  بملابسهن اللاطئة الخالية من العفة خلوها من الذوق.. كيفما شاء مزاج السائق الوقح ، وسط الشارع …عند الاشارة الخضراء …الحمراء …لا يهم ..

على ناصية الشارع ..تحت ملصق عملاق جدير بهوليود ، جلس مواطن حِرّيف على دكة صغيرة بمواعين الأتاي و على يمينه سلة بها صُرر من الفستق الاحمر يبيع الكأس للمارة القليلين الذين لم ينقعوا غلة “دوخة “أتاي الصبح” بعد..

وقد ذكرتني “قرته” و كأس الأتاي بقول الشاعر البركني  الأصيل في تحيته لحبيبته :

سلامٌ كطعم الشاي من قبله قرتا…. وكاللبن السخنان في زمن المشتى

على الزقاق الموالي كان صاحب الدكان يوقظ  ” الوقاف” الذي يبدو أنه قضى الليل في “قبة” في عراء الشارع التماسا لنسمة تهب دون حائل حاملة عرق الحيوانات السائبة وجراثيم المجاري الفائرة، وعندما يستيقظ دكاني الحي تبدأ دورة الخبز و الزبد والزريق و المواعيد الزائفة و الوعود  المنسية و الحديث المعاد…

أمربعُ الغصن ذا أم تلك أعلامه….لا هو هو و لا الأيام أيامه…

إلى غد …إن شاء الله

 

 

تصفح أيضا :

الطِّيَّرَة

الطِّــيَّـــرة ________ (كتبتها يوم 29 ديسمبر2012 عن الرقم 13) من الثابت ، الذي أعجز المصلحين ـ منذ أن وجد هذا الكائن الغريب ذو الملامح والمحامل والملاحم و المحالم الفريدة ،وأهمها "العقل" ـ تشبُّثُه بفطرته وعودته إليها كلما دهمه خطرٌ يَع...جزُ عن مُغالبته، و هي فطرة...

التاريخ: من يكتبه؟

التاريخ .. من يكتبه؟ التاريخ هو هذا السجل الحافل بالأحداث الذي يظل الشغل الاول ل"لإنسان" والشاغل الأبدي للأفذاذ من بنيه، لا ينفك يمارس سطوته عليهم و يمارسون صناعته و روايته منذ وجدوا على هذا الكوكب العجيب ،وهم لمَّا يتجاوزوا المحكي إلى المنحوت و بعد أن تجاوزوهما إلى...

بين الصعود و السقوط

بين الصعود و السقوط للكاتب الرائع في السياسة  و الأدب و الفكر  الوزير محمد ولدامين جُمل يلخص بها مواقف و حالات متشعبة بأسلوب شائق ، تمثِّلُ إحدى بصماته الفارقة ؛ وقفتُ أمام الأخيرة منها بإعجاب : "من المؤسف جدا ان يرى المرء نهاية مسرحية لرج...ل عظيم !بوتفليقة يستحق...

حاشية على تظاهراتنا

حاشية على تظاهراتنا ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ يوم ال15 من الجاري حضرتُ مبكرا ، ساعةَ قبل بقية المدعويين، الى قاعة انعقاد تأسيسية منتدى الشباب  للبناء والتنمية ، لسببين اثنين بلا ثالث : 1)شوق دفين إلى رؤية شباب منطلق متحمس...

من هو الشاعر؟؟

بهـــــــــــدوء ـــــــــــــــــــ   من هو الشـــــــــاعر؟؟؟؟ تبرز هذه الأيام مسألة مهمة طافيةً على سطح الأحداث ،على شكل مواقف حادة، كعادتنا فى استخدام اللونين القطعيّيْن، و الفسطاطين المتخاصمين أفقيا. والموضوع ، هذه المرة،عن الشاعر و ا...لحكم ,وموقف الأول من...

نقاش نازلة ترك النافلة ..

نقاش نازلة ترك النافلة .. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ دعيتُ مساء أمس لحضور ندوة حول قضايا فكرية من داخل الطرح القومي ، وثقةً بالداعي الأستاذ محمد سالم بن الداه استجبتُ ، ولأن المنوه عنه صديق في عالم التواصل الإفتراضي، وإن كنتُ قد لقيته ، لماماً، ثلاث  مراتٍ...

في سياق مختلف:المجتمع المأزوم و النخبة المهزومة

    الضبابية هي السمة الغالبة على أي فعل لا يُحيل إلى مستمسكات عقدية، ولأن الوقت لم يحن والآن لم يئن، ينبغي أن لا ننخرط في تفسير الماء بالماء لأن ذلك سيكون  مساهمة في اللعبة الكسيحة، بل يجب الاتجاه رأسيا، لا أفقيا، إلى التنبيه بالتحليل ، إلى مواطن الخلل بغية...