الساحل:أزواد ، أمس..القاعدة اليوم، وغدا؟ ـــــ1من 2ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مـــوريتـانيـا:البطنُ الرِّخْوُعاملُ قـُوَّة إذا أُحْسِنَ توظيفُه لم يعد طرح الأسئلة الآنية ذات المفعول المؤقت ،ذا معنى، فقد اتضحت مجريات الأمور، لمن ألقى السمع...
أنا والاستقلال والمغرب..كلام صريح (ح3)


ناجي محمد الإمام
شاعر وكاتب وأديب نهضوي عربي , اشتهر بلقب “متنبي موريتانيا” نهاية الثمانين .. وقد شغل العديد من المناصب السياسية والإدارية و المهام العربية والدولية، في كثير من المسؤسسات الرسمية المحلية والدولية..كتب عنه عدد وفير من الدراسات في شكل رسائل وأطروحات جامعية، أومقالات في الدوريات الوطنية والعربية.
بالإضافة إلى عمله كرئيس لـمجلس أمناء جمعية الضاد للإبداع ونشر اللغة العربية و الدفاع عنها ، شغل ناجي إمام منصب رئيس المجلس الأعلى لإتحاد الأدباء و الكتاب الموريتانيين…
آخر المقالات

إنهم قيادة العالم ولكنهم لا يستحقونها
إنهم قيادة العالم ...ولكنهم لا يستحقونها ( الحلقة 2 من 4 ) إن إقرار و استقرار الحقيقتيْن المذكورتين في الحلقة الأولى الناجم عن ثبات مفعولهما المدمر على ما سوى الغرب...

الصمت خيانة
الصمتُ خيَّانــــــــــــة.... منذ فترة توقفت عن محاولة فهم ما يجري في بلادي ،و سلمتُ بقصوري الذهني عن إدراك مسببات ما يُفعلُ و ما يُقال ،و ما يُتَدَبَّرُ به، وما يدبر له. وأسندتُ ظهري إلى"اللاشيء"..ورغم أن "ا لعدمية" مدرسة سلبية ،فإن موجبها الوحيدَ أنها "تريحك"...
أنا والاستقلال والمغرب..كلام صريح (ح3)
كانت عيشة سيدة جميلة حمراء البشرة تتقن شيم نانمة من الصدق و الوفاء و الشفقة على الضعيف وسلاطة اللسان والشجاعة على الاقوياء ، وفوق كل هذا كانت رخيمة الصوت شجيته تجيد ضرب الطبل وتسحر ب”مناشعها” الملونة وقلادتها ذات “الكتفة” العقيقية الحرة ، واسطة العقد،يحيطها “مدفعان ” و “بزرادتان” و “نيلتان” و شعيرتان” و “شظيتان” من “المَرْفِي الحر”، تحسدها عليها أعتى النبيلات، وتبدو في كبريائها غير مبالية بما يحكى عن علاقاتها الخاصة التي تجعلها مرهوبة ، أمَّا كونها مرغوبة فتحصيل حاصل…
ولأن خيمتها (نزلت) قبل تأسيس الفصل الدراسي قربها فقد استأهلت أن تكون حارسة المدرسة وتاليا ، طباخة القسم الداخلي ، ومديرته الفعلية بعد المراقب ، وقد أصبحت بقوة الموقع وصية على ضعفاء التلاميذ المغتربين عن أهلهم للدراسة ،فالإعاشة تخصهم بينما (يعوض) المقيمون عند أهلهم مبلغا طيبا (300أوقية=1500ف افريقي) نهاية الفصل أو السنة لا أتذكر…
في اليوم المشهود صحح المفتش الإملاء و يومها رأيتُ بأم عين الصبي حقد الحسد الأسود عندما نال أحد التلاميذ علامة5ر19 على 20…فإذا بأحدهم يهذي و هو من “الكبار” سنا، ويهددُ الفائز بالخنق والإغراق الليلة في” التاولجه” ، و التهديد مخيفٌ فعلاً لأن مياهها الآسنة في الشتاء مُريعة من بعيد، فكيف بالغرق فيها!! وكان تلاميذ المدرسة من ثلاث طبقات عمرية في فصل واحد…لكن حمية أحد أقربائه الكبار و تدخل عيشة و قرب أهله من الفصل ، و “بركة الصالحين” أنقذته من الغرق…
في اليوم الموالي كانت القرية الصغيرة تعج بكرائم النوق والجمال والخيل المُسَوَّمة والنساء والرجال من كل حدب و صوب ينسلون.. وكل “فخذ” ينزل ب”رجله” و “طبله الكبير” و بنادقه “الطرش و القشامى” و” جنائد الرجال و طرابيشهم الحمراء” والجبابة(الدباكة) في صفين متوازيين، كما في نص المفتش، (يتغامسون) بالبارود ينشد صف: يا مورتان عْليكْ…و يجيب الصف المقابل: مْبارك الاستقلال…وقد يدغمونها حتى تكون: لَتَّقلال….وعيشة في أزهى أيامها بملحفة من “النميرات” و حزام من “لاغوس” وحفيظة “تنز” منها “الروائح” النفاذة..فجميع المناسبات عرس عيشة…
بعد هذا الهرج الدائر حول المدرسة لأنها مقر السلطة في القرية باعتبار مديرها ممثلا رسميا للحاكم الذي لا ينزل إلا عنده، دخلنا بنداءالصفارة الفصلَ وبدأنا التدريب على النشيد الترحيبي الذي كتبه معلم اللغة العربية والد الجميع العلامة المربي الأشهر محمد بن بوبني ، ومنه:
أهلا و سهلا كرِّري ** ماشئتِ أن تُكرري
تيهي و تيهي و افخري ** ديارنا بالزائر
قائدنا المحرِّرِ ** لنا من المسيطر
رائدنا الحبر السري ** مرشدنا للنير
زعيمَنا لا تَمْتَــــــرِ ** في حُبنا لك البرئ
ولأول مرَّةٍ وقف العلامة، يعطينا درسا في الوطنية ومعنى الاستقلال والتحرر من سيطرة الأجنبي ، وكنا في مطلع السنة الثالثة (C E 1) التي تميزت بتوزيع كتابين للمطالعة ساهما في تشتيت أذهاننا الصغيرة المتحفزة و توزيع ولاءاتنا الطرية: كتاب المطالعة الفرنسية :إفريقيا =إفريقيتي تأليف مجموعة من الأفارقة الإستوائيين و مربين فرنسيين من منشورات المعهد التربوي الافريقي الملغاشي(IPAM) وكتاب المطالعة العربية:الجديد في القراءة ، تأليف هيئة الكتاب التربوي بالجمهورية العربية المتحدة، الموضوع الأول فيه عن الوحدة بين الإقليم الشمالي(سوريا) والإقليم الجنوبي(مصر) وصورة مكبرة لرجلين ضخمين أحدهما كثير الورود في أحاديث العائلة والكبار والإذاعة هو جمال عبد الناصر، والآخر لم أستطع فهم اسمه شكري القوتلي ولاسيما الاخير منه، ولكننا كنا ننشد بفهم بسيط النشيد:
يا وحدةً جمعتْ مصري و سوريتي
ثمارها طلعتْ نصري وحريتي
وبين غمضة عين وانتباهتها كان الناس في هرج و مرج فقد لاحت سيارات الموكب وتعالى الغبار من الحوافر والاظلاف و الارجل و العربات والبارود والزغاريد و “بيت فاغو” من الجيش بن هدفال وابنه وناتي رحمهما الله وكانت رؤية”الشعار” وسماعهم مباشرة غاية صعبة المنال في ذينك الوكر والظرف…
ولكن الواقعة التي هزت كيان الصغير وانطبعت في خلده وذاكرة جيل بأكمله من أترابه ، هي رؤية (ولد داداه) بالعين المجردة،بدراعة المظلع الزرقاء والحولي الملفوف لفة واحدة على الرقبة لينسدل طرفاه في أناقة مهيبة لا بذخ فيها ولا شطط ، يستمع بهدوء خلف (بصاراته) السوداء الغامقة وشيبته المحببة الشهيرة ، يستمع إلى الولد النحيف ذى التبيب والقرون الذي اختير لينشد أمام زملائه والاستاذ يؤشر بالمسطرة لضبط الايقاع بعده،و يتقدم الرئيس ليمسح على رأسه و يقول عبارات أذهلته الهيبة عن تمييزها..
لقد كانت محطة و أي محطة في المصائر التي ينسج الزمن بخيوط القَدَر و القَدْر خيوطها بما فيها من بياض و خضرة وحمرة و سواد…..