عودٌ علي بدإ :

علي(شاطئ تيبازا/الجزائر العاصمة) يقع مجمع فنادق بديع  يسمي (سيدي فرج )مبني علي طراز أندلسي ساحلي بمداخل  مسننة الحواف  كبناء واحات الجنوب..فيه استضافتنا منظمة التحرير الفلسطينية أيام سطوتها المادية والسياسية علي الوضع الفلسطيني في العالم خارج فلسطين، لحضور أعمال مؤتمر أتحاد كتاب وصحفيي فلسطين،بينما كانت اعماله تدور في قصر الصنوبر، رمز الزعامة الجزائرية و وهجها في العالم الثالث أيام المرحوم هواري أبومدين وقد أشتهر باحتضانه القمة العربية الأولي بعد حرب رمضان، وفيه تم قبول عضوية موريتانيا  في الجامعة العربية(بل طُلب العرب منها الإنضمام للجامعة بعدما أسدتْ من خدمات جُلّي في المحافل الدولية للقضية) و دخل المرحوم المختار ولد داداه بتواضعه الشديد ولكن بفخر كبير يليق ببلاد الفاتحين) ولولا خوف الإطالة لاستطردنا قضية  الرئيس أنورالسادات والكلم101والفيللا رقم 101 بقصر الصنوبر، ناهيك عن إعلان الرئيس عرفات استقلال دولة فلسطين ورفع علمها داخل قاعة الإجتماعات وعزف النشيد الوطني علي بعد ثلاثة آلاف كلم من أقرب رأس من بر حيفا.

في سيدي فرج و قصر الصنوبركانت تدور معركة فاصلة في تاريخ الحرف الفلسطيني و العربي يشرف علي عمليات المنظمة فيها مباشرة المرحوم عرفات بكوفيته و مسدسه و طاقمه الفتحاوي الضخم الجبار ، وكانت لانتزاع آخر قلاع اليسار الفلسطيني الذي هو اتحاد كتاب وصحفيي فلسطين بقيادة الكاتب الفلسطيني (جزائري الأصل) يحيي يخلف وبعض مناهضي التفاوض مع العدو أيام كان” يجري سراًّ” و كان مرشح منظمة التحرير الشاعر محمود درويش(!!!) و اصطف إخواننا في أيام صعبة حاولنا فيها (موريتانيا : أي العبد الضعيف واتحاد كتاب الجزائر وشخصيات فكرية عربية ) أن نصلح ما كنا نعتبره ـ ونحن آخر من يعلم ـ

خلافات كتاب، و دُبر الأمر وانتخب المكتب الجديد و استخلف “يخلف” وحدد ت لقيادات الكتاب الجديدة مقار إقامتها بقرار، ومن أغرب ما سمعناه قرار إقامة الرئيس محمود درويش في باريس، وهو الذي لا يسكن رحمه الله إلا الفنادق الفخمة….

من هنا كان التعارف مع (يفتو شنكو )الذي قدمه لنا  رئيس اتحاد كتاب عموم الإتحاد السوفياتي و كان مرفوقا بمترجم فلسطيني عجوز يتنقل معهما كالظل بخفة يحسده عليها رياضيو الجنباز، علي أنه شاعر الثورة البلشفية الأول و عضو قيادة الحزب والمبدع الذي عندما يستمع العمال إلي قصائده بمعدل معين في مراكز الأنتاج يتضاعف  مردود عملهم، إلي غير ذالك من البراهين علي قدرة المبدع علي تحرير و تحريك كوامن النفس البشرية..

ونحن نناقش حال الكتاب اليساريين واقتراح تعويم اتحاد كتاب افريقيا آسيا أكتشف أنني أعرف

ما اعتبره خبرة بالكتاب الروس ،العظماء فعلا، وتحدثنا مطولا عن عباقرة القصيدة الروسية  ولاسيما الأسطوري(بوشكين)، وداعبته بأنه من أصل إفريقي رغم أرستقراطيته الحالمة التي تداعب أخيلة عذاري روسيا البيضاء!  فما بالكم بالكتاب  أمثال:”ديستويفسكي”وصاحب رواية”الأم” ماكسيم جوركي. والحق أن روسيا مهد قمم فكرية وأدبية لا تجهل في تاريخ الإبداع العالمي

عودٌ إلي رمال واد الناقة:

أنهي بإتقان مسرحي جدير بالإحترام إلقاء قصيدته المرتجلة ، وقد أعجبنا بالمترجم  الشاب الذي بذل جهدا مضاعفا في إيصال الصور الموحية والإلماعات والإحالات إلي جمهوره المحدود، وعندما أدي آخر حركة إيماء بانحناءة جميلة لجمهوره ، طلب أن نعطيه فكرة عن إلقاء كل منا بنفس الطريقة… و قام طيب الذكر رحمه الله جمال بإلقاء مقطع من قصيدته :سيري…متعمدا بطبيعة الأقيدي العريق أن لا يبالغ و لا ينفعل، و بطبعه اللذيذ المعهود…

ثم جاء دوري فسألت المترجم هل يستطيع ترجمة الشعر الموغل في الكلاسيكية، فضحك المرحوم (أضحك الله سنه في الفراديس )متوجسا “مقلبا ” وقال لي أنت َ أشْهَامَّكْ؟ 

وقفتُ وأدرتُ وجهي إلي الجمهور… وأنشدتُ بحركات مسرحية اجتهدتُ أن تكون معبـــرة:

من آل مية رائح أو مغتدي…عجلان ذا زاد و غير مزود

وتجاوزتُ إلي:

لا مرحبا بغد ولا أهلا به …..إن كان تفريق الأحبة في غد

فصفق و طالب بالإعادة…و تجاوزتُ إلي:

صفراء كالسيراء أكمل خلقها….كالغصن في غلوائه المتأود

والبطن ذو عكن لطيف طيه ….والإتـــــب تنـفجه بثدي مقعد

فتبدي الإضطراب علي المترجم لكن في سرعة بديهة بدأ المرحوم وبقدرة مذهلة يعطيه البدائل ليترجم فوريا.. والروسي الأحمر يزداد حمرة إلي أن شرع (النابغة) يكشف لـه(يفتوشنكو)عــن  صاحبة الجلالة المتجردة …فهام…هام… هام… الروسي :

زعم الهمام بأن فاها باردٌ….عذبٌ مقبله شــــــهي المورد

زعم الهمام، ولم أذقه، أنه…عذب إذا ما ذقته، قلت :ازدد

إلي أن ختمتُ له:

لاواردٌ منها يحور لمصدر…عنها ولا صَدِرٌ يحور لمورد

وانحنيتُ لأنهي المشهد علي طريقتي فتقدم إلي يعانقني و يربت علي ظهري، هذا في الحضارة قمة الرقي، قلت له خصوصا أن هذا الشعر قيل منذ ما يزيد أو يقارب ألفي سنة… وكان سؤاله ، هو ماتمنيتُ أن يطرحه كل عربي علي نفسه ليكتشف عظمة لغته…قال :و تفهمونها إلي اليوم …قلتُ: أيها المبدع الصديق ما يجعلنا مختلفين  عن غيرنا و مستهدفين من غيرنا  …هو ذاك

                    …..////….. يتبع